فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الثعلبي:

{وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ}
{وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ الله} الآية روى القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أُمامة الباهلي قال: جاء ثعلبة بن حاطب الأنصاري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يارسول الله ادع الله أن يرزقني مالا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ويحك يا ثعلبة قليل تؤدّي شكره خير من كثير لا تطيقه» ثم أتاه بعد ذلك. فقال: يارسول الله أدع الله أن يرزقني مالا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «{لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]، والذي نفسي بيده لو أردت أن تصير الجبال معي ذهبًا وفضة لصارت» ثم أتاه بعد ذلك فقال: يارسول الله ادع الله أن يرزقني مالًا، والذي بعثك بالحق لئن رزقني الله مالًا لأعطينّ كلّ ذي حق حقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم ارزق ثعلبة مالًا».
قال: فاتخذ غنمًا فنمت كما ينمو الدود فضاقت عليه المدينة فتنحى عنها، فنزل واديًا من أوديتها وهي تنمو كما تنمو الدود، وكان يصلّي مع النبي صلى الله عليه وسلم الظهر، ويصلّي في غنمه ساير الصلوات، ثم كثرت ونمت حتى تباعد عن المدينة فصار لا يشهد إلا الجمعة، ثم كثرت ونمت فتباعد حتى كان لايشهد جمعة ولا جماعة، فكان إذا كان يوم الجمعة يمر على الناس يسألهم عن الأخبار، فذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأل ذات يوم فقال: مافعل ثعلبة؟ قالوا يا رسول الله اتخذ ثعلبة غنمًا مايسعها واد.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا ويح ثعلبة، ياويح ثعلبة، ياويح ثعلبة» وأنزل الله تعالى آية الصدقة فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا من بني سليم ورجل من جهينة وكتب لهما إتيان الصدقة وكيف يأخذان وقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مُرّا بثعلبة بن حاطب ورجل من بني سليم فخذا صدقاتهما».
فخرجا حتى أتيا ثعلبة فسألاه الصدقة وقرءا له كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذه إلا جزية، ما هذه إلا أُخت الجزية، انطلقا حتى تفرغا ثم عودا إليّ، فانطلقا وسمع بهما السلمي فنظر إلى خيار أسنان ابله، فعزلها للصدقة ثم استقبلهما بها فلمّا زادها قالا: ما هذا عليك، قال: خذاه فإن نفسي بذلك طيبة، فمرّا على الناس وأخذا الصدقات، ثم رجعا إلى ثعلبة فقال: أروني كتابكما فقرأه ثم قال: ما هذه إلا جزية، ما هذه الا أُخت الجزية، إذهبا حتى أرى رأيي، قال: فأقبلا فلمّا رآهما رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يتكلّما قال: «ياويح ثعلبة، ياويح ثعلبة، ياويح ثعلبة» ثم دعا للسلمي بخير فأخبراه بالذي صنع ثعلبة، فأنزل الله فيه {وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ الله لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ} إلى قوله: {وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ} وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أقارب ثعلبة فسمع قوله فخرج حتى أتاه فقال: ويحك ياثعلبة قد أنزل الله عز وجل فيك كذا وكذا، فخرج ثعلبة حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله أن يقبل منه الصدقة.
فقال: «إن الله تعالى منعني أن أقبل منك صدقتك» فجعل يحثي على رأسه التراب، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا عملك قد أمرتك فلم تطعني» فلما نهى أن يُقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع إلى منزله وقُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقبض ولم يقبل منه شيئًا.
ثم أتى أبا بكر رضي الله عنه حين استخلف فقال: قد علمت منزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم موضعي من الأنصار فاقبل صدقتي، فقال أبو بكر: لم يقبلها منك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أقبلها؟ فلم يقبل، وقُبض أبو بكر فلم يقبلها، فلمّا ولي عمر رضي الله عنه أتاه فقال: يا أمير المؤمنين اقبل صدقتي، فقال: لم يقبلها منك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر، أنا لا أقبلها، فقُبض عمر ولم يقبلها، ثم ولي عثمان فأتاه فسأله أن يقبل صدقته فقال: لم يقبلها منك رسول الله ولا أبو بكر ولا عمر، أنا لا أقبلها منك، فلم يقبلها منه وهلك في خلافة عثمان.
وقال ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة: أتى ثعلبة مجلسًا من الأنصار فأشهدهم فقال: لئن آتاني الله من فضله أتيت منه كل ذي حق حقه، تصدّقت منه، ووصلت القرابة، فمات ابن عم له فورثه مالًا فلم يوف بما قال، فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية.
وقال مقاتل: مرّ ثعلبة على الأنصار وهو محتاج، فقال: لئن آتاني الله من فضله لأصّدقن ولأكوننّ من الصالحين فآتاه الله من فضله وذلك أن مولى لعمر بن الخطاب قتل رجلًا من المنافقين خطأً فدفع النبي صلى الله عليه وسلم ديته إلى ثعلبة، وكان قرابة المقتول فبخل ومنع حق الله فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية.
وقال الحسن ومجاهد: نزلت هذه الآية في ثعلبة بن حاطب ومعتب بن قشيو وهما رجلان من بني عمرو بن عوف خرجا على ملأ قعود فقالا: والله لئن رزقنا الله لنصّدقنّ، فلمّا رزقهما الله تعالى بخلا.
وقال الضحاك: نزلت في رجال من المنافقين نبتل بن الحرث وجدّ بن قيس وثعلبة بن حاطب، ومعتب بن قشير قالوا: لئن آتانا الله من فضله لنصّدقنّ، فلمّا آتاهم الله من فضله وبسط لهم الدنيا بخلوا به ومنعوا الزكاة.
وقال الكلبي: نزلت في حاطب بن أبي بلتعة، كان له مال بالشام فجهد لذلك جهدًا شديدًا فحلف بالله: لئن آتانا الله من فضله من رزقه يعني المال الذي بالشام لأصدّقن منه ولأصلنّ ولآتين حق الله منه، فآتاه الله ذلك المال فلم يفعل ما قال، فأنزل الله عزّ وجل: {وَمِنْهُمْ} يعني من المنافقين {مَّنْ عَاهَدَ الله لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ} ولنوفّينّ حق الله منه {وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصالحين} أي نعمل ما يعمل أهل الصلاح بأموالهم من صلة الرحم والنفقة في الخير. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ ءَاتَانَا مِن فَضْلِهِ...} الآية والتي بعدها نزلت في ثعلبة ابن حاطب الأنصاري. وفي سبب نزولها قولان:
أحدهما: أنه كان له مال بالشام خاف هلاكه فنذر أن يتصدق منه، فلما قدم عليه بخل به، قاله الكلبي.
والثاني: أن مولى لعمر قتل رجلًا لثعلبة فوعد إن أوصل الله الدية إليه أخرج حق الله تعالى منها، فلما وصلت إليه بخل بحق الله تعالى أن يخرجه، قاله مقاتل.
وقيل إن ثعلبه لما بلغه ما نزل فيه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله أن يقبل منه صدقته فقال: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَنَعَنِي أَن أَقْبَلَ مِنكَ صَدَقَتَكَ» فجعل يحثي على رأسه التراب. وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقبل منه شيئًا. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {ومنهم من عاهد الله}
في سبب نزولها أربعة أقوال:
أحدها: أن ثعلبة بن حاطب الأنصاري، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يرزقني مالًا، فقال: ويحك يا ثعلبة، قليلٌ تؤدي شكرَهُ، خير من كثير لا تطيقه قال: ثم قال مرة أخرى، فقال: أما ترضى أن تكون مثل نبي الله؟ فوالذي نفسي بيده لو شئتُ أن تسير معي الجبال ذهبًا وفضة، لسارت فقال: والذي بعثك بالحق، لئن دعوتَ الله أن يرزقني مالًا، لأُوتينَّ كل ذي حق حقه.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم ارزق ثعلبة مالًا فاتخذ غنمًا، فنمت، فضاقت عليه المدينة، فتنحَّى عنها، ونزل واديًا من أوديتها، حتى جعل يصلي الظهر والعصر في جماعة، ويترك ما سواهما.
ثم نَمت، حتى ترك الصلوات إلا الجمعة، ثم نمت، فترك الجمعة.
فسأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأُخبر خبره، فقال: يا ويح ثعلبة، يا ويح ثعلبة، يا ويح ثعلبة وأنزل الله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة} [التوبة: 9] وأنزل فرائض الصدقة؛ فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين على الصدقة، وكتب لهما كتابًا يأخذان الصدقة، وقال: مُرّا بثعلبة، وبفلان رجل من بني سُليم، فخرجا حتى أتيا ثعلبة، فسألاه الصدقة، وأقرآه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما هذا إلا جزية، ما هذه إلا أُخت الجزية، ما أدري ما هذا، انطلقا حتى تفرغا ثم تعودا إليَّ، فانطلقا.
فأُخبر السُلَميّ، فاستقبلهما بخيار ماله، فقالا: لا يجب هذا عليك؛ فقال: خذاه، فإن نفسي بذلك طيبة؛ فأخذا منه.
فلما فرغا من صدقتهما، مرّا بثعلبة، فقال: أروني كتابكما، فقال: ما هذه إلا أُخت الجزية، انطلقا حتى أرى رأيي، فانطلَقا، فأخبرا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما كان، فنزلت هذه الآية إلى قوله: {بما كانوا يكذبون}، وكان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أقارب ثعلبة، فخرج إلى ثعلبة، فأخبره، فأتى رسولَ الله، وسأله أن يقبل منه صدقته، فقال: إن الله قد منعني أن أقبل منك صدقتك؛ فجعل يحثو التراب على رأسه.
فقال: هذا عملك، قد أمرتك فلم تطعني.
فرجع إلى منزله، وقُبض رسول الله، ولم يقبل منه شيئًا، فلما ولي أبو بكر، سأله أن يقبل منه، فأبى، فلما ولي عمر، سأله أن يقبل منه، فأبى، فلما ولي عثمان، سأله أن يقبلها؛ فقال: لم يقبلها رسول الله، ولا أبو بكر، ولا عمر، فلم يقبلها.
وهلك ثعلبة في خلافة عثمان رضي الله عنه.
روى هذا الحديث القاسم عن أبي أمامة الباهلي.
وقال ابن عباس: مرّ ثعلبة على مجلس، فأشهدهم على نفسه: لئن آتاني الله من فضله، آتيت كل ذي حق حقه، وفعلت كذا وكذا.
فآتاه الله من فضله، فأخلف ما وعد؛ فقص الله علينا شأنه.
والثاني: أن رجلًا من بني عمرو بن عوف، كان له مال بالشام، فأبطأ عنه، فجُهد له جُهدًا شديدًا، فحلف بالله لئن آتانا من فضله، أي: من ذلك المال، لأصَّدقَّن منه، ولأصِلَنَّ، فأتاه ذلك المال، فلم يفعل، فنزلت هذه الآية، قاله ابن السائب عن أبي صالح عن ابن عباس.
قال ابن السائب: والرجل حاطب بن أبي بلتعة.
والثالث: أن ثعلبة، ومُعتِّب بن قُشير، خرجا على ملأٍ، فقالا: والله لئن رزقنا الله لنصَّدَّقنَّ.
فلما رزقهما، بخلا به، فنزلت هذه الآية، قاله الحسن، ومجاهد.
والرابع: أن نبتل بن الحارث، وجَدّ بن قيس، وثعلبة بن حاطب، ومعتِّب ابن قشير، قالوا: لئن آتانا الله من فضله لنصدقن.
فلما آتاهم من فضله بخلوا به، فنزلت هذه الآية، قاله الضحاك.
فأما التفسير: فقوله: {ومنهم} يعني: المنافقين {من عاهد الله} أي: قال عليَّ عهدُ الله: {لنصّدَّقنَّ} الأصل: لنتصدقن، فأدغمت التاء في الصاد لقربها منها.
{ولنكوننَّ من الصالحين} أي: لنعملنَّ ما يعمل أهل الصلاح في أموالهم من صلة الرحم والإِنفاق في الخير.
وقد روى كَهْمَس عن معبد بن ثابت أنه قال: إنما هو شيء نوَوْه في أنفسهم، ولم يتكلموا به، ألم تسمع إلى قوله: {ألم يعلموا أن الله يعلم سرَّهم ونجواهم}؟. اهـ.

.قال الخازن:

قوله سبحانه وتعالى: {ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن} الآية.
روى البغوي بسند الثعلبي عن أبي أمامة الباهلي قال: جاء ثعلبة بن حاطب الأنصاري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالًا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ويحك يا ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه» ثم أتاه بعد ذلك فقال: يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالًا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما لك في رسول الله أسوة حسنة والذي نفسي بيده لو أردت أن تسير الجبال معي ذهبًا وفضة لسارت» ثم أتاه بعد ذلك فقال: يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالًا والذي بعثك بالحق لئن رزقني الله مالًا لأعطين كل ذي حق حقه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم ارزق ثعلبة مالًا» قال: فاتخذ غنمًا فنمت كما ينمو الدود فضاقت عليه المدينة فتنحى عنها ونزل واديًا من أوديتها وهي تنموا كما ينمو الدود فكان يصلي مع رسول الله صل الله عليه وسلم الظهر والعصر ويصلي في غنمه سائر الصلوات ثم كثرت ونمت حتى تباعد عن المدينة فصار لا يشهد إلا الجمعة ثم كثرت ونمت حتى تباعد عن المدينة أيضًا حتى صار لا يشهد جمعة ولا جماعة فكان إذا كان يوم جمعة خرج فتلقى الناس يسألهم عن الأخبار فذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: «ما فعل ثعلبة؟» فقالوا: يا رسول الله اتخذ ثعلبة غنمًا ما يسعها وادٍ.